ظهور مصطلح السلفية
(ظهر الاختلاف بين أهل الحديث الذين تمسكوا بالنقل وبين المعتزلة الذين أقروا الجدل واعتمدوا على العقل واستبعدوا النقل (فتركوا الحديث وتحاملوا على المحدثين وكذبوهم وأولوا المتشابه من آي القرآن الكريم تأويلاً لم يقرهم أهل السنة عليه ".
ظل أهل الحديث من بعد الإمام أحمد على المنهج الشرعي المميز لهم، إلى أن ظهر (أبو الحسن الأشعري) الذي استخدم المنهج الكلامي في الدفاع عن عقائد أهل السنة والجماعة في مواجهة المعتزلة.
وتابع الأشعري في ذلك شيوخ آخرون ، بدعوى نصرة عقائد أهل السنة بمنهج المعتزلة أي باستعمال علم الكلام واعتبروا علم الكلام من العلوم الشرعية إذا أريد به موافقة الكتاب والسنة. فإن يوافق الكتاب والسنة فليس بكلام شرعي ككلام أهل الاعتزال وأمثاله.
يقول طاش كبرى زاده: "وبالجملة يشترط في الكلام أن يكون القصد فيه تأييد الشرع بالعقل وأن تكون العقيدة مما وردت في الكتاب والسنة. ولو فات أحد هذين الشرطين لا يسمى كاملاً أصلاً ". فيزعم الأشاعرة أن علم الكلام محمود إن أريد به نصرة عقائد السلف. وأنه بهذا المنهج يكون الرد على المخالفين.
أما إن استعمل علم الكلام في مخالفة الكتاب والسنة على طريقة المعتزلة والمتكلمين واتباع الفلاسفة فهو مذموم. ويرى الأشاعرة أن أهل السنة كالحلقات الدائرية يتصل بعضها ببعض وتتداخل كل دائرة منها في الأخرى. فالدائرة الأولى تضم الصحابة والتابعين أي السلف والدائرة الثانية تضم أهل السنة والجماعة الذين اتخذوا السلف قدوة وأصلاً لهم، والدائرة الثالثة هي دائرة شيوخ الأشاعرة. ويرى الأشاعرة أن طريقة السلف في الاقتصار على الكتاب و السنة أسلم وأحوط ولكن طريقة الأشاعرة في الرد على المخالفين لأهل السنة بعلم الكلام أعلم وأحكم، وأن الأشاعرة بذلك امتدادٌ للسلف وأطلقوا على أنفسهم لقب (الخلف) ، وأنهم جمعوا بين العقل والنقل معا.
ولكن نظريات الأشاعرة الكلامية لم تلق قبولاً لدى المتمسكين بمنهج الأوائل أتباع الإمام أحمد وأهل الحديث، والذين أطلق عليهم في فترة من الفترات اسم (الحنابلة) لتمسكهم بعقيدة أهل السنة والجماعة التي عليها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
رأى الحنابلة أتباع السلف في ذلك الوقت أن منهج الأشاعرة الجديد يعتبر أيضا انسياقا منهم في التيار الكلامي البدعي وهم في الأصل أهل حديث لا يحيدون عن منهج السلف، ولا يقبلون في ذلك منهجاً وسطاً.
وبظهور منهج (الخلف) صار لقب (السلفية) يطلق عندئذ في مقابلة لقب (الخلفية).
وأتباع المذهب الأشعري وإن كانوا يعدون من أقرب المذاهب إلى المذهب السلفي لكونهم أيدوا أهل السنة في عدة مسائل إلا أنهم في نظر السلفيين ليسوا بسلفيين خلص، لأن المذهب السلفي بمعناه الدقيق يرفض علم الكلام ويلفظه سواء كان على طريقة المعتزلة أو على طريقة الأشاعرة.
* الإمام أحمد بن حنبل: إمام أهل السنة والجماعة، شيخ الحديث والسنة على المحنة، أبو عبد الله الشيباني، عرف بالإمامة في الحديث والفقه، مع الورع والتقوى والصلاح والزهد والعبادة، توفي في بغداد سنة 241 هـ الموافق 855 م. يقول ابن تيمية رحمه الله: "وأحمد بن حنبل وإن كان أشهر بإمامة السنة والصبر في المحنة، فليس ذلك لأنه انفرد بقول أو ابتدع قولاً، بل لأنه السنة التي كانت موجودة معروفة قبله، علمها ودعا إليها وصبر على من امتحنه ليفارقها" نقلا من السلفية وقضايا العصر ص21
- حلية الأولياء لأبي نعيم: جـ 6 / ص 168.
- نظام الخلافة: ص 245
- المعتزلة لزهدي جار الله: ص 253
- نظام الخلافة: ص 383
- منهم أبو بكر الباقلاني وعبد القاهر البغدادي وأبو المعالي الجويني وأبو حامد الغزالي ومحمد بن تومرت وفخر الدين الرازي والريجي وغيرهم من الأشاعرة.
- مفتاح السعادة: أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده (962هـ- 1554م) ص20.
- راجع في ذلك: نظام الخلافة: ص 383 – 384
- وسيأتي مزيد بيان ذلك والرد عليه وبيان خطأ قائله.