شُرُوطُ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ اَلْعُلَمَاءِ : اَلْمَرَادُ مِنْ هَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ : أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ سَبَبٌ لِدُخُولِ اَلْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ اَلنَّارِ وَمُقْتَضٍ لِذَلِكَ ، وَلَكِنَّ اَلْمُقْتَضِيَ لَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ إِلَّا بِاسْتِجْمَاعِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ ، فَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ مُقْتَضَاهُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ ، أَوْ لِوُجُود مَانِعٍ ؛ وَهَذَا قَوْلُ اَلْحَسَنِ وَوَهْبَ بْنُ مُنَبِّهٍ, وَهُوَ اَلْأَظْهَرُ .
وَقَالَ اَلْحَسَنُ لِلْفَرَزْدَقِ -وَهُوَ يَدْفِنُ اِمْرَأَتَهُ- : مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا اَلْيَوْمِ ؟ قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً . قَالَ اَلْحَسَنُ : [نَعَمْ] ([1]) إِنَّ لَـ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ شُرُوطًا ([2]) فَإِيَّاكَ وَقَذْفَ اَلْمُحْصَنَةِ
[وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْفَرَزْدَقِ : هَذَا اَلْعَمُودُ . فَأَيْنَ اَلطُّنُبُ ؟ ] ([3]) .
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ : إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ : مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ دَخَلَ اَلْجَنَّةَ ؟ فَقَالَ : مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ ، فَأَدَّى حَقَّهَا وَفَرْضَهَا دَخَلَ اَلْجَنَّةَ .
وَقَالَ وَهْبَ بْنُ مُنَبِّهٍ لِمَنْ سَأَلَهُ : أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ مِفْتَاحُ اَلْجَنَّةِ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنْ مَا مِنْ مِفْتَاحٍ إِلَّا وَلَهُ أَسْنَانٌ ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ ، وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ ([4]) .
وَهَذَا اَلْحَدِيثُ : , إِنَّ مِفْتَاحَ اَلْجَنَّةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ - ([5]) خَرَّجَهُ اَلْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ .
عَنْ مُعَاذٍ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اَللَّهِ r, إِذَا سَأَلَكَ أَهْلُ اَلْيَمَنِ عَنْ مِفْتَاحِ اَلْجَنَّةِ ؟ فَقُلْ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ . - .
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا اَلْقَوْلِ ، أَنَّ اَلنَّبِيَّ r رَتَّبَ دُخُولَ اَلْجَنَّةِ عَلَى اَلْأَعْمَالِ اَلصَّالِحَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ اَلنُّصُوصِ . كَمَا فِي اَلصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ , أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلِ يُدْخِلُنِي اَلْجَنَّةَ . فَقَالَ : تَعْبُدُ اَللَّهَ ، وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ اَلصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي اَلزَّكَاةَ ، وَتَصِلُ اَلرَّحِمَ - ([6]) .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ : , يَا رَسُولَ اَللَّهِ دُلَّنِي عَنْ عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ . قَالَ : تَعْبُدُ اَللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ اَلصَّلَاةَ اَلْمَكْتُوبَةَ ، وَتُؤَدِّي اَلزَّكَاةَ اَلْمَفْرُوضَةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ فَقَالَ اَلرَّجُلُ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا ، وَلَا أَنْقَصُ مِنْهُ . فَقَالَ r مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا - ([7]) .
وَفِي اَلْمُسْنَدِ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ : , أَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ r لِأُبَايِعَهُ فَاشْتَرَطَ عَلِيَّ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنْ أُقِيمَ اَلصَّلَاةَ ، وَأَنْ [أُوتِيَ] ([8]) اَلزَّكَاةَ ، وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ اَلْإِسْلَامِ ، وَأَنْ أَصُومَ رَمَضَانَ ، وَأَنْ أُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَمَا اِثْنَتَيْنِ ([9]) فَوَاَللَّهِ لَا أُطِيقُهُمَا : اَلْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ ([10]) فَقَبَضَ رَسُولُ اَللَّهِ r يَدَهُ ثُمَّ حَرَّكَهَا ، وَقَالَ : لَا جِهَادَ وَلَا صَدَقَةَ ، فَبِمَ تَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِذًا? ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَنَا أُبَايِعُكَ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ ([11]) .
[1] -
[2] - أخرجه البزار في مسنده 1 والبيهقي في شعب الإيمان 1/268 ، 269 رقم (96) والطبراني في المعجم الصغير رقم (349) وقال الهيثمي في المجمع 1/22 رواه البزار والطبرانى في الأوسط والصغير، ورجاله رجال الصحيح .
[3] - أخرجه البخاري في كتاب التوحيد / باب كلام الرب - عز وجل - يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم 8/202 ومسلم في كتاب الإيمان / باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها رقم (326) .
[4] - كذا وقع هنا وفي النسخ المطبوعة [نعم العدة].
[5] - لقد أجاد الحافظ أحمد حكمي - رحمه الله - في نظم عدة أبيات جمع فيها شروط كلمة التوحيد التي لا ينتفع بها صاحبها إلا إذا أتى بها وحقَّقَها ، وهى في حقيقتها لم تخرج عن جملة أحاديث وردت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال -رحمه الله- : وبشروطٍ سبعةٍ قد قُيِّدَتْ وفـي نصـوص الوحي حقا وردتْ فإنــه لـم ينتفـع قائلُهـا بـالنطق إلا حـيث يسـتكملها العلــم واليقيــن والقبـول والانقيـاد فـادْر مـا أقول والصـدق والإخـلاص والمحبـة وفقَّــك اللــه لمـا أحبـه وهذا مأخوذ من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل : " من قال : لا إله إلا الله مخلصًا " وفي رواية " مستيقنًا " وفي بعضها " مصدقًا بها قلبه لسانه " وفي بعضها " يقولها حقا من قلبه" وفي بعضها " قد ذل بها لسانه واطمأن بها قلبه" كما ذكر المؤلف - رحمه الله - وسيأتي بعد قليل . ويمكننا أن نضيف إلى هذه الشروط السابقة السبعة شرطًا ثامنًا : ألا وهو الكفر بما يُعْبَد من دون الله ، كما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رقم (37) من كتاب الإيمان . فيه "من قال : لا إله إلا الله ، وكفر بما يُعْبَد من دون الله ، حرم ماله ودمه ، وحسابه على الله " . قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - : [ وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله ، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصمًا للدم والمال ، بل ولا معرفة معناها مع التلفظ بها ، بل ولا الإقرار بذلك ، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له ، بل لا يحرم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يُعْبَد من دون الله . فإن شَكَّ أو تَرَدَّدَ لم يحرم ماله ودمه ، فيالها من مسألة ما أجلّها، ويَالَهُ من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع] تيسير العزيز الحميد ص147 .
[6] - ما بين المعكوفين سقط من كل النُّسَخ المطبوعة ما عدا نسخة ( ش ) .
[7] - في نسخة ( ط ) أخرجه البخاري تعليقًا 3/109 فتح، وقد وصله في تاريخه 1/95 وأبو نعيم في الحلية 1/66 .
[8] - أخرجه أحمد في مسنده 5/242 وهو كما قال المؤلف - رحمه الله - وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/21 : رواه أحمد والبزار وفيه انقطاع بين شهر ومعاذ، وإسماعيل بن عياش روايته عن أهل الحجاز ضعيفة. وهذا منها .
[9] - أخرجه البخاري في كتاب الزكاة / باب وجوب الزكاة 2/108 ، 109 ، ومسلم في كتاب الإيمان / بباب بيان الإيمان الذي يدخل الجنة رقم (12).
[10] - أخرجه البخاري في كتاب الزكاة / باب وجوب الزكاة 2/109 . ومسلم في الذي يدخل به الجنة رقم (15) .
[11] - كذا وقع وفي بعض النسخ [أؤدي] وهو كما في المسند .